العلاقة بين باكستان والصين فريدة ومتعددة الأبعاد، إذ تشمل تقريباً جميع المجالات، غير أن الجوانب الأمنية والدفاعية والدبلوماسية والاقتصادية هي الأكثر بروزاً. تاريخياً، أثبتت العلاقة نجاحاً استثنائياً في مجالي الدفاع والدبلوماسية. ويظهر تحليل معمّق أن هذا النجاح يعتمد على ثلاثة عناصر رئيسية: الجيوإستراتيجية، الجيوسياسة، والقيم المشتركة. هذه العناصر كوّنت أساساً صلباً، وبكلمات الرئيس الصيني شي جين بينغ، فقد صنعت علاقة أخوية، قوية ومرنة، قادرة على الصمود في كل الظروف، وتقوم على ثقة عمياء بين البلدين. وقد جاءت الحرب الأخيرة بين باكستان والهند لتؤكد هذا الواقع.
في الوقت نفسه، عزّز قادة البلدين الروابط الاقتصادية، حيث وقعوا العديد من الاتفاقيات، بدءاً من اتفاقية المقايضة التجارية 1963، واتفاقية الدعم الفني والآلي 1966، وبروتوكول التجارة 1975، واتفاقية التجارة الحدودية 1985، وصولاً إلى اتفاقية الدعم الفني والمالي لمشروع منجم سانداك 1984. وفي عام 1989، وُقعت اتفاقية حماية الاستثمارات الثنائية، التي فتحت الطريق أمام شركات صينية كبرى مثل هواوي وزونغ وهاير لدخول السوق الباكستاني. التطور الأبرز لاحقاً كان الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني (CPEC)، الذي اعتُبر مبادرة اقتصادية تحوّلية.
وإحياءً لروح التعاون نفسها، أُعلن مؤخراً عن خطة عمل جديدة بعد لقاء الرئيس شي برئيس الوزراء شهباز شريف، ركزت على تعزيز التعاون، خصوصاً في الاقتصاد. إلا أنه عقب اللقاء، أطلقت القوى المعادية للصين وباكستان دعاية سلبية. والسؤال: إذا كانت العلاقة بهذه القوة والثقة، فلماذا تنجح الدعاية والشائعات في كسب الانتباه؟
التحليل يكشف أن السبب الرئيسي هو أن العلاقات الاقتصادية لم ترقَ إلى مستوى التوقعات. فالتعاون غالباً ما يبدأ بوعود كبيرة، لكنه يفتقد الزخم المطلوب. وأحدث مثال على ذلك هو CPEC، فعلى الرغم من طبيعته التحوّلية وإمكاناته الضخمة، لم تجذب باكستان سوى 28 مليار دولار من الاستثمارات، وهو مبلغ ضئيل مقارنة بالفرص المتاحة.
السبب الرئيس وراء ضعف الاستفادة هو فشل التنفيذ من جانب باكستان. فقد اكتفت بتوقيع مذكرات تفاهم واتفاقيات، لكن التنفيذ ظل غير مؤكد. على سبيل المثال، لم تستفد كثيراً من قانون حماية الاستثمارات 1989، كما أن اتفاقية التجارة الحرة وإطار الطاقة 2006 لم تحقق النتائج المرجوة. أما في حالة CPEC، فلم تنفذ باكستان الخطة طويلة المدى كما اتُفق عليها، إذ كان مقرراً إنشاء مناطق اقتصادية خاصة لتسريع المرحلة الثانية من الممر وتعزيز التصنيع. وبعد 12 عاماً، لم تدخل حيز التنفيذ إلا منطقتان فقط.
كما أن باكستان أخفقت في إدراك الدور العالمي الجديد للصين. فما زالت عالقة في صورة الصين القديمة في الستينيات والسبعينيات والتسعينيات. بينما اليوم أصبحت الصين قوة عالمية، خاصة في الاقتصاد والتجارة، وتحوّل مبادرة الحزام والطريق (BRI) في مرحلتها الثانية نحو مشاريع صغيرة ذات أثر مباشر وسريع على المجتمع. وقد أعلن الرئيس شي عن تخصيص 48.75 مليار دولار من بنك التنمية الصيني وبنك التصدير والاستيراد الصيني لمشاريع مبتكرة لتحسين سبل العيش. وهذا يتطلب من باكستان إعداد خطط جديدة تتماشى مع هذا التوجه.
في هذا السياق، تحتاج باكستان إلى إعادة صياغة، إن لم يكن إعادة ضبط، العلاقة الاقتصادية مع الصين. ويتطلب ذلك أمرين أساسيين:
-
الاستفادة من تجربة العلاقات الدفاعية والدبلوماسية لمعرفة العوامل التي صنعت نجاحها.
-
توظيف خبراء محترفين يمتلكون فهماً عميقاً للأنظمة والسياسات الصينية، كما هو الحال في التعاون العسكري والدبلوماسي الذي أثبت أن الاحترافية والشخص المناسب هما سر النجاح.
يجب على فريق من الخبراء القيام بتحليل نقدي للشراكة الاقتصادية، يتضمن:
-
فهم كيف شكّل عصر التعبئة الاقتصادية النظام الصيني، وكيف تطور الاقتصاد الصيني وقواعد انخراطه مع العالم.
-
إدراك مكانة CPEC ضمن مبادرة الحزام والطريق، حيث باكستان واحدة من 153 دولة عضو، تتنافس جميعها على جذب الاستثمارات.
-
تحليل الفجوة بين الشركات الصينية العملاقة والشركات الباكستانية الصغيرة، وربما التفكير في إشراك الشركات الحكومية الباكستانية لتوازي حجم الشركات الصينية.
من جانبها، تحتاج الصين أيضاً إلى تقييم الوضع الاقتصادي والإنمائي في باكستان، خصوصاً مع الأزمة الاقتصادية الخانقة وعودة التهديدات الإرهابية، فضلاً عن الضغوط الدولية. هذا التحليل سيساعد الصين على تحديد ما إذا كان عليها الالتزام بعقلانية اقتصادية صارمة في استثماراتها، أم اتباع نهج أكثر مرونة ومراعاة للظروف.