التجارة الحرة والسياسة المحلية.. صراع الروايات والأفكار

في نقدها لـ السياسة الوطنية للتعرفة الجمركية (2025-2030)، أعربت مجلس البحوث والاستشارات السياساتیة (PRAC)، الذي أسسته غرفة تجارة كراتشي والمجتمع التجاري، عن قلقه من أن السياسة الجديدة قد تؤدي إلى زعزعة القطاع الخارجي وإلى تراجع مبكر للتصنيع في البلاد.

وجاء في بيان المجلس أن السياسة مبنية على أيديولوجية التجارة الحرة، وهي لم تعد متوافقة مع الواقع الاقتصادي المتغير في العالم.

المجتمع التجاري يطالب بإعادة الحمايات الجمركية والدعم الحكومي، ويرى أنه إذا لم يتم تعديل السياسة، فقد تُقوّض الاستقرار الاقتصادي الأخير، وتضعف الصناعات المحلية، وتحدّ من النمو طويل الأجل.

ليس مفاجئًا أن يُعارض مركز أبحاث أنشأته غرفة كراتشي والمجتمع التجاري تحوّلًا جذريًا في سياسة التجارة. فهذه هي المرة الأولى التي تعطي فيها الحكومة إشارة واضحة بالابتعاد عن سياسة الإحلال محل الواردات، التي تعد سببًا رئيسيًا في الأداء الصناعي الضعيف لباكستان وتراجع آفاق النمو.

معارضة المجلس لسياسة التعرفة الجديدة تعود أساسًا إلى الخسائر المتوقعة للشركات التي نشأت ونمت طوال الفترة الماضية بالاعتماد على الحماية الجمركية.

قطاع السيارات.. نموذج المقارنة

لنأخذ قطاع السيارات مثالًا، وهو أكثر القطاعات جدلًا في سياسات التعرفة الجمركية. ويمكن تقسيمه إلى فئتين: الدراجات النارية (المركبتين) والسيارات (الأربع عجلات).

قبل نحو 25 عامًا، خرجت الحكومة من سياسة الحماية الجمركية في حالة الدراجات النارية، وفتحت السوق وحررت نظام التراخيص. ونتيجة لذلك، دخلت نحو 30 شركة جديدة السوق، ما أدى إلى مضاعفة الإنتاج الصناعي، وتحقيق وفورات الحجم، وإبقاء الأسعار تحت ضغط تنافسي.

والنتيجة: لمدة 20 عامًا تقريبًا، وحتى عام 2018، بقي سعر العلامة التجارية الرائدة من الدراجات النارية ثابتًا عند 70,000 روبية، رغم انخفاض قيمة الروبية بشكل كبير، وارتفاع أسعار الخدمات ومدخلات الإنتاج.

في الوقت نفسه، كانت هناك منتجات منافسة متوفرة بنصف السعر تقريبًا، ومع ذلك تضاعف الإنتاج، وقفز الإنتاج السنوي من أقل من 100 ألف وحدة إلى أكثر من 1.5 مليون وحدة.

أما في حالة السيارات، فقد استمر القطاع يتمتع بحماية جمركية قوية على مدى خمسة عقود، وما زال يتمتع بإعفاء نسبي بموجب السياسة الجديدة حتى انتهاء السياسة الحالية للسيارات.

والنتيجة أن المستهلك الباكستاني يشتري سيارات محلية التجميع بأسعار باهظة، بينما تجني الدولة والشركات أرباحًا ضخمة على حساب المواطن. نسبة امتلاك الأسر للسيارات لا تتجاوز 7%، بينما تصل نسبة امتلاك الدراجات النارية إلى 54%. إنتاج السيارات ارتفع بمقدار 3.7 مرات خلال 25 عامًا، بينما ارتفع إنتاج الدراجات النارية 15 مرة في نفس الفترة.

الخلاصة

ليس التجارة الحرة هي التي أضعفت النمو الاقتصادي، بل غيابها.

مع ذلك، فإن سياسة التجارة الحرة في ظل ضرائب معيقة للنمو وتنظيمات مثقلة لا يمكن أن تحقق الكثير بمفردها. لكنها قادرة على تغيير ديناميكيات الأعمال عبر تشجيع الاستثمار والمنافسة والابتكار، كما أنها تضغط بشكل مستمر على السياسة المحلية لإصلاح الضرائب والتنظيمات وتسعير الطاقة.

لذلك، نحن بحاجة إلى سياسة داخلية قوية، لكن لا ينبغي أن تكون بديلًا عن المزيد من الحماية الجمركية.

يشير المجلس بحق إلى أن العالم دخل في حرب تعرفة جديدة بعد رسوم ترمب الجمركية، ما يعني أن علينا التخلي عن مبدأ التجارة الحرة. لكن يجب أن ندرك أن الاقتصاد العالمي لم يعد يعتمد فقط على الولايات المتحدة.

فبحسب أحدث البيانات، 86% من واردات العالم و93% من صادراته تأتي من خارج الولايات المتحدة.

أنا أؤيد الاتجاه العام للسياسة الجديدة، رغم أنها ما زالت حذرة وتدريجية، ومن غير المرجح أن تتحقق المخاوف التي أثارها المجلس.

إيجابية أخرى هي النقاش الواسع الذي أثارته هذه السياسة. على الحكومة أن تطرح مثل هذه الوثائق للنقاش العام قبل إقرارها، وهو أمر غالبًا ما يتم إغفاله.